: صدر كتاب المناظر
إن المتقدمين من أهل النظر قد أمعنوا البحث عن كيفية إحساس البصر وأعملوا فيه أفكارهم وبذلوا فيه اجتهادهم وانتهوا منه إلى الحد الذي وصل النظر إليه ووقفوا منه على ما وقفهم البحث والتمييز عليه.
ومع هذه الحال فآرائهم في حقيقة الإبصار مختلفة ومذاهبهم في هيئة الإحساس غير متفقة فالحيرة متوجهة واليقين متعذر والمطلوب غير موثوق بالوصول إليه. فالحقائق غامضة والغايات خفية والشبهات كثيرة والأفهام كدرة والمقاييس مختلفة والمقدمات ملتقطة من الحواس والحواس التي هي العدد غير مأمونة الغلط.
فطريق النظر معفى الأثر والباحث المجتهد غير معصوم من الزلل فلذلك تكثر الحيرة عند المباحث اللطيفة وتتشتت الآراء وتفترق الظنون وتختلف النتائج ويتعذر اليقين.
وفي هذا البحث عن هذا المعنى مع غموضه وصعوبة الطريق إلى معرفة حقيقته مركب من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية.
أما تعلقه بالعلم الطبيعي فلأن الإبصار أحد الحواس والحواس من الأمور الطبيعية. أما تعلقه بالعلوم التعليمية فلأن البصر يدرك الشكل والوضع والعظم والحركة والسكون، وله مع ذلك تخصص بالسموت المستقيمة، والبحث عن هذه المعاني إنما يكون بالعلوم التعليمية.
فبحق صار البحث مركبا من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية.
وقد بحث المتحققون بعلم الطبيعة…فاستقرت آراء المحصلين منهم على أن الإبصار من صورة ترد من المبصر إلى البصر.
فأما أصحاب التعاليم…متفقون بالجملة على أن الإبصار إنما يكون بشعاع يخرج من البصر إلى المبصر.
ولكل طائفة من هذه الطوائف مقاييس واستدلالاات وطرق أدتهم إلى اعتقادهم وشهادات إلا أن الغاية التي عليها استقر رأي جميع من بحث عن كيفية إحساس البصر تنقسم بالجملة إلى المذهبين المتضادين اللذين قدمنا ذكرهما.
وكل مذهبين مختلفين إما أن يكون أحدهم صادقاً والآخر كاذباً وإما أن يكونا جميعاً كاذبين والحق غيرهما جميعاً وإما أن يكونا جميعاً يؤديان إلى معنى واحد… فعرض الخلاف في ظاهر المذهبين وتكون غايتهما عند استقصاء البحث واحدة.
وقد يعرض الخلاف أيضاً في المعنى المبحوث عنه من جهة اختلاف طرق المباحث وإذا حقق البحث وأنعم النظر ظهر الاتفاق واستقر الخلاف.
ولما كان ذلك كذلك وكانت حقيقة هذا المعنى مع اطراد الخلاف بين أهل النظر المتحققين بالبحث عنه على طول الدهر ملتبسة وكيفية الإبصار غير متيقنة رأينا أن نصرف الاهتمام إلى هذا المعنى بغاية الإمكان ونخلص العناية به ونتأمله ونوقع الجد في البحث عن حقيقته ونستأنف النظر في مبادئه ومقدماته ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات ونميز خواص الجزئيات ونلتقط بالاستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس ثم نرقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء فلعلنا ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي به يثلج الصدر ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها مواد الشبهات.
وما نحن مع جميع ذلك برآء مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية ولكنا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية ومن الله نستمد المعونة في جميع الأمور.
الآن العلوم الطبيعية هي التجربة، يسميها ٱبن الهيثم الإعتبار
والعلوم التعليمية هي الرياضيات والفرضيات
هذه هي طريقة البحث لذى ٱبن الهيثم
induction أما الإستقراء فهي ماتسمى بالفرنسية
!! وشكرا على ٱتباعكم